كتبه الباحث: بدر عبدالله
بنى الإسلام على خمس، ” شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان. هذه المقولة يتم تلقينها للجميع فى سن الطفولة وقد تم نسبتها إلى الرسول محمد عليه السلام فيما يُسمى زورًا بالسنة النبوية. وقد تم تسمية هذه الأعمال الخمس بأركان الإسلام.
ولو دققت الملاحظة تجد فى هذه الأعمال شيئين هامين:
-هي أعمال فردية يقوم بها الإنسان منفردًا بينه وبين ربه وليس لها صلة بالعلاقات بين الأخرين من الناس من حوله. حيث أنه من المعلوم أن إقام الصلاة التى تشير لها هذه المقولة هي أداء الصلوات الخمس التى اعتاد عليها الغالبية، والزكاة المقصودة هي بالعموم دفع 2,5% من المال المُدخر فى نهاية العام لفقير أو لمؤسسة جمع الزكاة.
– هى أعمال فى الغالب حركية وليس بينها أية تعاليم أو أخلاق تنظم علاقة الفرد مع مجتمعه أو المجتمعات والطوائف الأخرى.
من نتائج هذه الأكذوبة
باختصار أنتجت ما نراه على أرض الواقع من مجتمعات المنافقين والأعراب كالذين وصفهم القرءان بأنهم أشد كفرًا ونفاقًا. فالغالبية مواظبين على هذه الأركان الخمسة، ولكن التعامل فيما بينهم أو مع الأخرين يسود على أغلبه النفاق والكذب والجور والخيانة والسلب والنهب والإستعلاء والعنصرية وعدم النظافة وسلسلة طويلة من الصفات المتدنية التى لا يرضاها الله للعباد.
ولما لا وقد تربى الجميع من الطفولة على أن من قام بأركان الاسلام الخمس فقد ضمن النجاة يوم القيامة، وما عدا ذلك فهو زيادة فى الخير إن فعله، وإن لم يفعل فإن الله غفور رحيم.
ماذا يقول القرءان الكريم
إن بحثت عن دليل على أن دين الله قد بُنى على هذه الأركان الخمس فى كتـٰبه فلن تجد. بل ستجد التالى:
(قُلۡ تَعَالَوۡاْ أَتۡلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمۡ عَلَيۡكُمۡ أَلَّا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡا وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًا وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُم مِّنۡ إِمۡلَٰقٖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكُمۡ وَإِيَّاهُمۡ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ١٥١ وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوۡفُواْ ٱلۡكَيۡلَ وَٱلۡمِيزَانَ بِٱلۡقِسۡطِ لَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَا وَإِذَا قُلۡتُمۡ فَٱعۡدِلُواْ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰ وَبِعَهۡدِ ٱللَّهِ أَوۡفُواْ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ ١٥٢ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهۦ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ١٥٣) الأنعام
هذا مثال لما يحث عليه الله تعـٰلى عباده: عليكم ألا تشركوا به شيئَا، وبالوالدين إحسـٰنًا، ولا تقتلوۤا أولـٰدكم من إملـٰق (أى إهلاكهم على سبيل المثال بالعمل الشاق بسبب الفقر، انظر موضوع مفهوم القتل فى النص القرءانى)،
ولا تقربوا الفو احش، ولا تقتلوا النفس، ولا تقربوا مال اليتيم، وأوفوا الكيل، والميزان بالقسط، وإذا قلتم فاعدلوا، وبعهد الله أوفوا، هذا صرٰطى مستقيمًا فاتبعوه.
هذه التعاليم قد أسماها الله تعـٰلى صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمًا، وتدعو إليها سوة الفاتحة (ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦) الفاتحة
وكما تلاحظ أيها القارئ أن هذه التعاليم أغلبها تدعوا إلى أفعال تمس علاقة الفرد مع غيره من الناس. فمن الواضح أن الله تعالى قد أرسل الرسل تحمل تعاليم لتنظيم العلاقة بين مجموعات الناس، ولم تأتى الرسالة للفرد المنعزل عن العالم لتنظم علاقته مع رب العالمين. فالله تعالى قد أخذ ميثاقًا على ذرية بنى ءادم أجمعين وأعلمهم بوجوده. وغير ذلك لا يحتاج الفرد المنعزل أى رسالة من السماء.
ولهذا يبدو لى أن دين الله الإسلام لا يبنى على الشهادتين أو الصلاة الحركية (بمفهوم الغالبية الحالى) أو الصيام أو الحج التى يقوم بها الفرد منعزلًا عن التفاعل مع الأخرين. ولكن كما نرى فى القرءان أن الرسالة السماوية تقوم على التعاليم التى تنظم علاقات الناس تجاه بعضهم البعض.
الخلاصة
على ما يبدو لى أن من قام بتأليف مقولة بنى الإسلام على خمس، وقصر مايُعرف بأركان الإسلام على أعمال تكاد تكون فردية منعزلة عن التعامل مع علاقات الناس ببعضهم البعض لم يفعل ذلك من باب اللهو أو التسلية، وإنما كان يعلم ما يترتب على حفر هذه المقولة فى ضمير وذاكرة الناس.
ونرى الأن فى الواقع وبوضوح ماذا فعل هذا التصور الذى أدى إلى خروج أجيال من المنافقين الذين يواظبون على القيام بهذه الأركان الخمس، بينما تعاملهم وعلاقاتهم المجتمعية الجماعية تتسم في أغلبها بما لا يخفى على أحد بإنتشار الظلم والمعيشة الضنك.
ولا عجب من ذلك لإن مايُسمى بأركان الإسلام ليس بها تعاليم صريحة تدعو للرحمة والقسط والسلام، وتم نسيان الأركان الحقيقية التى نزلت من أجلها الرسالات السماوية والتى تتناول ضبط علاقات الناس ببعضهم.
وأختم هنا بتأمل بعض ما أنزل الله تعـٰلى من تعاليم فى سورة الإسراء وأسماها الحكمة، وأترك لك أيها القارئ أن تتأمل مع نفسك هل أنزل الله تعالى الرسل إلى الناس حتى يكون عماد دينهم الوقوف فى المحراب وتأدية مفهومهم الحالى للصلوٰة وصوم رمضان وحج البيت أم لتفعيل هذه الحكمة فيما بينهم:
(وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًا إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلًا كَرِيمًا ٢٣ وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ٢٤ رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّٰبِينَ غَفُورًا ٢٥ وَءَاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرۡ تَبۡذِيرًا ٢٦ إِنَّ ٱلۡمُبَذِّرِينَ كَانُوٓاْ إِخۡوَٰنَ ٱلشَّيَٰطِينِ وَكَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لِرَبِّهِۦ كَفُورًا ٢٧ وَإِمَّا تُعۡرِضَنَّ عَنۡهُمُ ٱبۡتِغَآءَ رَحۡمَةٖ مِّن رَّبِّكَ تَرۡجُوهَا فَقُل لَّهُمۡ قَوۡلًا مَّيۡسُورًا ٢٨ وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومًا مَّحۡسُورًا ٢٩ إِنَّ رَبَّكَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُ إِنَّهُۥ كَانَ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرَۢا بَصِيرًا ٣٠ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ خَشۡيَةَ إِمۡلَٰقٖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُهُمۡ وَإِيَّاكُمۡ إِنَّ قَتۡلَهُمۡ كَانَ خِطۡا كَبِيرًا ٣١ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلًا ٣٢ وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومًا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلۡطَٰنًا فَلَا يُسۡرِف فِّي ٱلۡقَتۡلِ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورًا ٣٣ وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡولًا ٣٤ وَأَوۡفُواْ ٱلۡكَيۡلَ إِذَا كِلۡتُمۡ وَزِنُواْ بِٱلۡقِسۡطَاسِ ٱلۡمُسۡتَقِيمِ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا ٣٥ وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡولًا ٣٦ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولًا ٣٧ كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُۥ عِندَ رَبِّكَ مَكۡرُوهًا ٣٨ ذَٰلِكَ مِمَّآ أَوۡحَىٰٓ إِلَيۡكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلۡحِكۡمَةِ وَلَا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتُلۡقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدۡحُورًا ٣٩)
والحمد لله رب العالمين