الناسخ و المنسوخ في نظره سريعة

اختار لكم القاضي ابوتُبع الطيب (حقوق الطبع محفوظة لأصحابها)
القاضي ابوتُبع عبدالسلام الطيب اخذ على نفسه بناء موقع يساهم في نشر الفكر المنطقي الحر الذي ينسجم مع كتاب الله و يواكب العصر في تأويله
July 15, 2022

بقلم : أسامة قفيشة

الناسخ و المنسوخ في نظره سريعة

بالنسبة للنسخ :

النسخ يعني النقل المشابه و المتماثل دون تغير , أي حين نقوم بنسخ شيْ فالمنسوخ يكون بنفس هيئة و كيفية المنسوخ عنه ( الناسخ ) ,

و النسخ لا يقتصر على الكتابة فقط , بل هو معنى أعمق و أوسع و أشمل من ذلك , فهو يشير للكتابة و القول و الفعل , فلا يمكن اقتصار مفهوم الناسخ و المنسوخ بمفهومه الضيق بآيات الذكر الحكيم أو بأحكامه الشرعية , بل يجب النظر في مفهومه العام و الشامل ,

و عجباً لمن يقول بان النسخ يعني الحذف و الإلغاء , و ما الحذف و الإلغاء إلا المعنى المضاد للنسخ ! و كما قلت فالنسخ هو أوسع و أشمل من ذلك كله ,

فعلى سبيل المثال حين تأتي بكتاب و تقوم بنقل محتواه من كلمات في كتابٍ آخر فهذا نسخٌ له ,

أو حين تأتي بصورة ما و تنقل رسمها أو تقوم بطباعتها فهذا نسخٌ لها , و هذا فيما يتعلق بمفهوم النسخ الذي يشير للكتابة ( أي المرئيات ) , أما فيما يتعلق بالنسخ في الأقوال ( السمعيات ) فهو النقل الحرفي لما تم سماعه , فحين يقوم شخصٌ بنقل كلام شخصٍ آخر فهذا يعتبر نسخاً للقول ,

و فيما يتعلق بالنسخ في الأفعال أو الأعمال أو الحركات ( التمثيل و التشكيل ) فهو نقلٌ مطابقٌ للأصل , فحين يقوم شخصٌ بتقليد حركة شخصٍ آخر فهذا نسخٌ لتلك الحركة , و حين تقلد عمل شخصٍ فأنت تنسخ عمله , و حين تقلد فعله فأنت تنسخ هذا الفعل ,

فعلى سبيل المثال لو أن إحدى شركات السيارات قامت بصناعة سيارة بمواصفات و شكلٍ ما و قامت شركة أخرى بتصنيع نفس السيارة بنفس الشكل و المواصفات فتلك عملية نسخٍ لها .

إذا فالنسخ كما نلاحظ فهو النقل بشرط التطابق و التماثل و الانسجام التام ما بين المنسوخ و المنسوخ عنه ( الناسخ ) , نقلٌ بكافة التفاصيل .

و فيما يقوله أهل السنة بأن النسخ يشير لتغير الحكم الشرعي فهذا غير صحيح , لأن نسخ الشيء يعني بأن يكون المنسوخ مطابقا و مماثلاً لأصل المنسوخ عنه ,

و إن كان النسخ يقتصر على آيات الذكر الحكيم و الأحكام بأنها لا تتغير , فهذا أيضاً لا يؤخذ به , و لنأخذ بعض الأمثلة على ذلك , فالقبلة في الصلاة قد تغيرت , و هذا واضح من نص كلام القرآن الكريم , و في مثالٍ آخر فقد تغير حكم الصيام و هذا أيضاً واضح و صريح في نص القرآن .

و من خلال البحث نلاحظ بأن تغير بعض الأحكام بأحكام أخرى فهو أمرٌ وارد كما القبلة و الصيام و هذا لا يعني نسخاً لأن التغير كان جذرياً و مختلفاً , و لأن النسخ يجب أن يكون نفس المنسوخ فهنا لا يمكننا القول بأن تغير الأحكام يعد نسخاً لها .

لو نظرنا لسياق الآيات التي تتحدث عن النسخ ( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ * أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ ) 106-108 البقرة ,

هنا نلاحظ بأن المقصود بالآية التي ينسخها الله جل وعلا لا تشير إلى آيات القرآن الكريم أو قوله جل و علا و أحكامه , بل تشير للمعجزات الحسية التي أتى بها الرسل عليهم جميعا أفضل السلام , و هذا للأسباب التالية :

أولا : هناك عملية نسخ لتلك الآيات ( المعجزات ) أي تكرارها , و تكرارها يرجع لسبب جوهري و هو أن تلك المعجزات الحسية مؤقتة و ليست دائمة , لأنها مرتبطة بحياة الرسول , فبموت هذا الرسول و رحيله تنتهي معه تلك المعجزة , و كلام الله جل وعلا يتحدث عن نسخ ( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ ) كما يتحدث عن احتمالٍ آخر و هو النسيان و التلاشي و الحذف التام ( أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا ) و في هذه الحالة لا يتم نسخها أو تكرارها بل الإتيان بخيرٍ منها ,

فالنسخ للآية هو الإتيان بمثلها (أَوْ مِثْلِهَا ) , و الاحتمال الآخر هو الإتيان بمعجزة أخرى تحل مكانها و تكون خيراً و أفضل من تلك المعجزة السابقة .

ثانيا : كل آيات الذكر الحكيم هي كلام الله جل وعلا و هو جميعه خير الكلام , فلا يجوز لنا القول بأن بعض كلامه خيرٌ من البعض الآخر ! لذا قوله جل وعلا ( نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا ) لهو دليلٌ قاطع بأن المقصود بتلك الآية هو المعجزة الحسية التي بحوزة الرسل و ليس المقصود هنا كلامه جل وعلا .

ثالثاً : قوله جل وعلا في سياق الآيات ( أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى ) و هنا إشارة شديدة الوضوح تدل بأن تلك الآية التي ينسخها الله جل وعلا أو يأتي بخيرٍ منها تشير و تدل على المعجزة الحسية التي طالبوا بها الرسول محمد بأن يأتيهم بها .

ملخص القول نجد بأنه لا مشكله في تغير الحكم الشرعي من قبل الله جل وعلا و هذا لا يسمى نسخاً , كما نجد بأن النسخ هو في جانب المعجزات الحسية و ليس في قول الله جل وعلا , فالمعجزات الحسية إما أن تتكرر مع بعض الرسل ( و هذا هو نسخها ) , أو أن يتم تأيدهم بمعجزةٍ حسية جديدة , أو يؤيدهم بشيءٍ آخر مختلف تماماً يكن بمرتبةٍ أفضل من تلك المعجزات الحسية التي تتكرر و تنسخ ,

و هذا ما حدث مع محمد علية السلام حيث لم يؤيده الله جل وعلا بأيٍ من تلك المعجزات السابقات بل أيده بخيرٍ من ذلك كله و هو كلامه جل وعلا الوارد في كتابه الكريم فكان هو الآية و المعجزة الفكرية الخالدة , فكان خيراً من كل المعجزات و الآيات الحسية السابقة , فكان هو وحده معجزةً دائمة لا تنتهي و لا تتوقف إلى يوم الدين .

و من الجدير ذكره أيضا هو محاولة البعض القول بأن الله جل وعلا يبدل القول بمعنى يغير القول , و يستشهدون على ذلك بقوله جل وعلا ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) , فهنا التبديل لا يعني التغيير بل يعني النقل و استبدال المكان فقط دون أي تغيير باللفظ أو المعنى , فالتبديل هنا تم ربطه بالمكان , و هنا إشارة لنا بأنه قد تم نقل بعض الآيات من سياقها إلى سياقٍ آخر أي تم تبديل مكانها بين السور و الآيات إلى أن تم ضبط هذا التوزيع و الإفراز بوحيٍ من الله جل وعلا لنبيه محمد عليه السلام بعد أن اكتمل نزول القرآن و بدأ عليه السلام بتجميعه حسب الأمر و الوحي الإلهي .

قد تعجبك أيضاً

من هم اصحاب الفيل؟

أصحاب الفيل بين خرافه اهل التراث وحقيقه القرآن ابو مهند باجابر أصحاب الفيل بين خرافه اهل التراث وحقيقه القرآن ادعى اهل...

اقنعوهم ان استطعتم

يريد البعض صياغة الإسلام كدين للبدو والأعراب وليس كدين عالمي لكل ...

Archives – الأرشيف

Soon as i get home (instrumental)

by 2Pac | Soon as i get home (instrumental)