قال تعالى : …ثم إن علينا بيانه
د. محمد الففيه
المتأمل لكتاب الله يصل إلى نتيجة مفادها أن مصدر رسالة الله إلى الناس كافة هو الله وحده، ودور الرسول ومهمته الرئيسة التبليغ والتطبيق ، فالرسول صلى الله عليه ليس عنده إجابات جاهزة لما كان يطرح عليه من أسئلة، وإنما كان دائما يتوجه بالأسئلة التي تطرح عليه إلى الله سبحانه وتعالى، وكان يتلقى الإجابات من الله سبحانه وتعالى بكلمة قل ، وقد وردت كلمة قل في كتاب الله أكثر من 320 مرة ،
وهذا يدل دلالة واضحة أن النبي صلى الله عليه ليس معه إجابات جاهزة عن أسئلة الصحابة أو عن أسئلة أهل الكتاب أو عن أسئلة المنافقين والكافرين ، وإنما كان صلى الله عليه ينتظر الإجابة منه سبحانه وتعالى ، وكثيرا ما كان يأتي السياق القرآني بكلمة يسألونك وكانت الإجابة الإلهية قل ، حتى في حالات الإفتاء كذلك ،
قال تعالى : ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم…. ولم يقل أنا أفتيكم ، بل قال الله يفتيكم ، مما يوكد أن النبي صلى الله عليه ليس مخولا وليس لديه صلاحية الإفتاء في دين الله، ولا يملك صلاحية التشريع في دين الله ، وإنما هو متبع لما يوحى إليه فقط ، قال تعالى : إن أتبع إلا ما يوحى إلي.
حتى في غنائم معركة بدر ، لم يجتهد النبي في توزيعها ولم يلجأ إلى القياس ، وإنما لجأ إلى الله قال تعالى: يسألونك عن الأنفال قل لله ولرسوله…….
حتى في القضايا البسيطة والمتعلقة باليتامى التي كان من الممكن أن يقدم النبي فيها إجابات للسائلين إلا أنه لم يفعل وإنما بعث بأسئلته إلى الله وجاءت الإجابة قال تعالى : ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير ……
وكذلك فيما يتعلق بعلم الغيب وقيام الساعة فلا يملك النبي أي إجابات عنها ولبس لديه مصدر للمعرفة إلا الله تعالى قال تعالى : إن الله عنده علم الساعة….
حتى في قضايا الأحكام التشريعية المتعلقة بالحيض ، لم يفتي النبي فيها من عند نفسه وإنما توجه بالسؤال إلى ربه وجاءت الإجابة قال تعالى :
وبسألونك عن المحيض قل هو أذى ….
وهذا يدل دلالة واضحة أن مصدر هذا الدبن ومصدر التشريع فيه هو كتاب الله تعالى ، فالرسول صلى الله عليه كان يرجع في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بهذا الدين إلى الله، وعندما كان يجتهد النبي صلى الله عليه في بيان أو تشريع بعض الأحكام كان الوحي الإلهي ينزل مصححا ومعاتبا أحيانا النبي كقوله تعالى: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك……
وكقوله تعالى: ما كان لنبي أن يكون له أسرى……
إن الانطلاق من هذه الحقيقة القرآنية سيحل لنا الكثير من الإشكاليات المتعلقة بالسنة النبوية، وتقدم لنا إضاءات على كثير من الروايات المنسوبة للنبي والتي تتضمن أحكاما وأخبارا ليس لها أساس في كتاب الله ولا تندرج تحت أي أصل قرآني، فعند الحديث عن تنقية ما نسب إلى النبي من أقوال ومن سنن لا بد أن ننطلق من هذه القاعدة الذهبية التي تضعنا على بداية الطريق الموصل إلى الحقيقة.